المبارزة في العصور الحديثة :-
بعد انقراض أزهى عصور الإمبراطورية العربية الإسلامية الكبرى وتخلي العرب تدريجيا عن التقاليد العربية ومنها رياضة المبارزة ، سارعت أوروبا بانتشالها خاصة بعد ظهور البارود في القرن الرابع عشر وتحول المبارزة من ميادين القتال والحروب إلى ميادين أخرى كالرياضة والمنازلات والاستعراضات، أي حل البارود محل السيف في الحروب وانقرض استخدامه أمام هذه القوى الجديدة، و في العصور الحديثة حدثت تطورت كثيرة في فن المبارزة في الملابس والأدوات والملاعب وفي فنون وخطط اللعب.
ففي القرنين الخامس والسادس عشر الميلادي تحولت المبارزة إلي الميادين الرياضية وفتحت المدارس في الخفاء لإعطاء الدروس بواسطة المدربين المحترفين ووضعت لها النظم والقوانين وظهرت بعض المؤلفات أولها عام 1410 م للإيطالي ( الفيوري دي ليبري ) ثم ظهر مخطوط ألماني عام 1443 م وعنوانه كتاب المبارزة ل ( تالهوفر )، ثم ظهر أول كتاب للمبارزة في اسبانيا عام 1471 للمؤلف (دي كودي فاليرا)
وقد تبنى كل من الألمان والإيطاليون والفرنسيون المبارزة بالسيف ثم انتشرت في كل اوروبا، وقد كانت مختصة بسادة القوم حيث ورثوا أساليبهم و فنونهم القتالية إلى قلة منتقاة حيث كان النبلاء فقط هم الذين يسمح لهم بحمل السيف، ويحق للرجل النبيل إذا كان طرفا في قضية أن يشترك في مبارزة (حرب) أمام الملك والنبلاء في منطقة مغلقة وكان المعتقد أن الله ينصر صاحب الحق، ومن أشهر مبارزات القرن السادس عشر تلك التي وقعت بين اللورد جرناك والورد شاسا دينوريه الذي كان مبارزا مشهورا وصديق مفضل لدى الملك، وفي المبارزة استطاع جرناك أن يجرح خصمه شاسا دينوريه الذي نزف حتى مات، فحزن الملك كثيرا على فقدانه ومنع جميع المبارزات التي تقام لإظهار الحق ومنذ ذلك الوقت أصبحت المنازلات تقام بطريقة خاصة غير علنية.
وقد انتشرت المبارزة في إيطاليا وفرنسا وألمانيا وانتشر الكثير من المدارس علنا وكان يديرها مبارزون محترفون حتى كانت المبارزة من أكثر الرياضات انتشارا وفي أواخر القرن السادس عشر الميلادي توصل الإيطاليون إلى اختراع سلاح الشيش واستخدم في الهجوم والدفاع واستجدت حركات أخرى كالطعن وحركات القدمين وكذلك تطور الملعب فبعد كونه مربعا جاءت فكرة تحديده إلى أن وصل إلى وضعه الحالي. وفي القرن الثامن عشر صدر أول تبيان لنظام وقواعد المنازلات، حيث جمعت بين وقاية المتبارزين مع الحفاظ على جو المنازلة وذلك باستخدام قناع معدني خاص مع فتحة للعين إضافة إلى سترة واقية لظاهر الجسد وكذلك تم تحديد المناطق التي يمكن للمبارز إحراز أهداف فيها ومع اختراع القناع على يد الفرنسي ( ليبول سيرز ) أصبح من المستطاع القيام بكثير من الحركات المتتابعة والمتبادلة بين المتبارزين دون توقف فتكونت جملة المبارزة وتمكن المبارز من تكملة هجومه والرد المعتاد وتكرار الهجوم وبذلك وضعت القوانين الخاصة بالمبارزة كما نعرفها اليوم و كذلك تم وضع ترتيب الدور في أحقية الهجمات، وبانحسار المنازلات القاتلة انتعشت المبارزة وتطورت وأصبحت الأسلحة أخف وزنا وأكثر أتزانا مما ساعد في زيادة سرعة حركة نصل السيف والجسم، ودخلت لعبة المبارزة ضمن برنامج مسابقات الدورات الدورات الأولمبية للرجال اعتبارا من الدورة الأولمبية الحديثة الأولي بأثينا عام (1896م) بالنسبة لسلاح السيف ( سابر) وسلاح الشيش (فلوريه)، أما سلاح سيف المبارزة (إيبية) فقد دخل البرنامج الأولمبي لأول مرة في الدورة الأولمبية الثانية بباريس عام (1900م) وبعد ذلك سمح للنساء بالاشتراك في منازلات سلاح الشيش لأول مرة في الدورة الأولمبية الخامسة بباريس عام (1924م)، وتم تشكيل الإتحاد الدولي الذي ينظم الرياضة ويشرف عليها عام 1919م، وتم إدخال التحكيم الكهربائي لسلاح سيف المبارزة عام 1933م وفي سلاح الشيش عام 1955م وفي سلاح السيف عام 1990م مما أضفى عدالة التحكيم ونزاهته وأعطى الفرصة للمبارز لإظهار مهاراته وهو مطمئن.